وقع اختيار ارييل شارون على عنصر متطرف مثله لاستكمال الهجمة التي بدأها هو في الستينيات عندما كان وزيراً للزراعة وأنشأ ما أسماه 'الدورية الخضراء' التي جابت ربوع النقب وشردت القبائل البدوية الموزعة في الصحراء المترامية الأطراف وانتزع شارون من أيديهم أكثر من 750 ألف فدان بحجة جمعهم في بقعة واحدة وتغيير نمط حياتهم.
عهد شارون إلى شبيهه في تضييق الخناق على العرب من خلال مصادرة أراضيهم وسد أبواب الرزق في وجوههم، اللواء 'احتياط' آفي غيتام ـ وزير الإسكان 'من الحزب الديني القومي'، ورجح كفته على منافسه في 'المهمة' الجديدة ـ يوسف باريتكس 'من حزب شينوي' واستصدر له موافقة حكومية بالإشراف على إقامة 36 بلدة جديدة في النقب وفي الجليل بحجة 'الحفاظ على أراضى الدولة'.
وكان شارون قد طرد قبائل البدو من أراضيها بدعوى أنها تملكها بدون 'كوشان' وهي كلمة تركية تعني قسيمة تملك أرض' ـ في حين أن شارون نفسه لا يستطيع إبراز ذلك الكوشان ليدلل على حقه في امتلاك تلك الأراضي، وبزعم أنه يتصرف طبقا للمفهوم التركي الذي يقول: 'من يزرع الأرض يملكها'، ولذلك هرع ما يسمى الصندوق القومي اليهودي 'وهو يشبه إدارة الأوقاف' إلى منطقة النقب في سباق مدروس لانتزاع تلك المساحات الشاسعة من أيدي أصحابها البدو الذين ورثوها عن أجدادهم الذين عاشوا هناك حتى قبل الحكم التركي لفلسطين.
لكن شارون لا حدود لأطماعه، فها هو يتذكر النقب بعد أن جردت 'القافلة الخضراء' في الستينيات بدو النقب من أراضيهم وهو يريد الأرض بدون السكان، ولذلك ظهر وزير الداخلية ـ إبراهام بوراز ـ بخطة لمحاربة التكاثر الطبيعي لدى بدو النقب مشيراً إلى قانون سيصدره يدعو إلى تخفيض علاوة الطفل، بهدف الحد من الإنجاب، وظهر جلياً أن المقصودين بهذا التعسف الصهيوني هم بدو النقب، إذ أعلن أنه لا يستطيع صرف إعانات لعائلة بدوية لها 40 ولداً من ثلاث زوجات تزوجهن الأب!
وقال مدافعاً عن القانون الذي سيصدره إن عدم دفع علاوات أطفال سيحافظ على بقاء الأغلبية يهودية، وهذا هو المقصود أصلاً وأضاف قيدا آخر موجهاً للفلسطينيين، وهو وجوب إقامة الأزواج الذين تزوجوا فلسطينيين في الضفة الغربية، لأنه يرى في إقامتهم داخل الخط الأخضر 'خطراً على أمن إسرائيل'.
وأطلقت هيلاري كرابجر 'مراسلة صحيفة جيروزاليم بوست في 17 يوليو الماضي صيحة استغاثة من معدل تزايد بدو النقب، فقالت إنه بينما كان عدد بدو النقب في عام 1985 لا يزيد 53.300 نسمة ارتفع عددهم إلى 118.200 عام 2001.
وأضاف نحن في حالة انقراض وعلى حافة الاندثار، وجاء مدير الصندوق القومي اليهودي ـ يجيئل ليكت ـ وأوضح بصراحة المستقبل الذي رسمته الصهيونية لبدو النقب، فقال: إن لقضية بدو النقب أبعاداً سياسية، أما نحن فما علينا إلا تطبيق القانون الذي يقضي بإقصاء الناس عن النقب سواء كانوا يهوداً أم عرباً، لأن هذه مناطق تعود للدولة ـ وشرح إسحاق موشيه ـ الغرض من اهتمام الصندوق القومي بتحريش مناطق معينة في النقب بقوله يرى الصندوق القومي أن التحريش هو أفضل طريق لمنع البدو من الوجود على الأرض.
ورغم أن النيات الصهيونية واضحة وكشفها دعاة الصهيونية أنفسهم فقد أعلن محامي بدو النقب أنور اللجوج، قائلا: 'إن تصرفات الصندوق القومي ترجع إلى دوافع سياسية، ومن الصعوبات التي نواجهها نحن البدو صعوبة الحصول على إذن بناء من السلطات الإسرائيلية، وصعوبة الحصول على مواد البناء مما يؤكد إن الصهيونيين يريدون الأرض بدون السكان العرب.
وحكاية وضع عرب فلسطين في حالة الدفاع ـ ترجع إلى السياسة التي سار عليها شارون ودعا أعوانه السير تبعاً لها، إذ قال لقادة الجيش: 'يجب أن نقوم نحن بالهجوم لكي يظل الفلسطينيون في حالة دفاع، ويجب أن يكون هجومنا بدون أي اعتبار لقيود صدرت في اتفاقات أوسلو، ويجب ألا يدفن المستشهدون الفلسطينيون حسب الطقوس الإسلامية، بل يجب لفهم في جلود خنازير'..
وقد استولت الدهشة على المراقبين إزاء التناقض في تصرفات دعاة الصهيونية، إذ بينما يصادرون أراضي بدو النقب يأملون في نفس الوقت في تجنيدهم للجيش لحماية الذين يضطهدونهم ويسلبون حقوقهم، في الوقت الذي يتبجح فيه دعاة الصهيونية بأنهم يحرصون على إقامة كيان ديموقراطي ويحترمون حقوق الإنسان.
وظاهرة تجنيد البدو ليست جديدة، ففي عام 1993 جندت إسرائيل 188 بدويا، زاد عددهم إلى 300 جندي في عام 1998، ولكن بناء على سياسة تمسك بها موشه آرنز عندما كان وزيراً للدفاع..
وطبقاً للمشروع الذي اقره آرنز عام 1999 يكون عدد الشبان البدو المجندين الآن في الخدمة العسكرية 800 شاب ويرسل بهؤلاء وغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى مثل الدروز 'المارونيين في لبنان' إلى المناطق الحدودية لمحاولة منع دخول فدائيين من البلدان العربية 'لبنان ـ سوريا ـ الأردن ـ مصر' فبدلاً من أن يقتل إسرائيلياً ليقتل عربياً!
وعندما عاد آرنز وتسلم منصب وزير الدفاع مجدداً، واصل اهتمامه بقضية تجنيد شباب البدو، ورأى في ذلك 'مهمة قومية وعسكرية' لا تقل أهميتها عن أية مهمة أخرى، وقال في مؤتمر صحفي: 'ينبغي على الجيش الإسرائيلي أن يربي زعامة بدورة لأن في ذلك شق طريق من شأنه زيادة عدد المجندين، وهذا مهم للجيش وللمجتمع الإسرائيلي فالبدو في النقب هم الجمهور الذي يعاني أشد المشاكل في البلد، ولا أعتقد أن خدمتهم في الجيش ستحل المشكلة، ولن يشعروا بأنهم جزء من المجتمع الإسرائيلي بعد أداء الخدمة العسكرية.
لكن آرنز وغيره من مستغلي جنود السخرة لحماية نظامهم القمعي لم يفكروا فأين سيكون ولاء هؤلاء الضحايا لدى عودتهم إلى أهاليهم ليروا أنهم حشدوا بعد أن صودرت أراضيهم في معسكرات وحرموا الرحاب الفسيحة التي نشأوا فيها، وأطلقوا فيها مواشيهم ترعى ليرتزقوا.