حذر مصرفيون مصريون وخبراء في الاقتصاد من عزم الحكومة طرح أوعية ادخارية دولارية عن طريق مصلحة البريد بسعر فائدة 2.5% بدعوى استقطاب عملاء السوق غير الرسمية وتجفيف منابع هذه السوق والقضاء عليها، وشدد الخبراء على أن تفعيل هذه الخطوة من شأنه إنعاش عملية الدولرة مرة أخرى وزيادة الضغط على الجنيه المصري وكذلك المخاطرة بالاستقرار النسبي الذي تحقق في سوق الصرف خلال الشهرين الماضيين.
وأوضح الخبراء أن هذا الإجراء سينعش الطلب على الدولار ويعمق من أزمة النقد الأجنبي في مصر ولن يساهم في دفع حائزي الدولار إلى إيداعه في البنوك أو شراء هذه الأوعية الادخارية بدلاً من تخزينه، كما أشاروا إلى أن تكلفة هذه الأوعية المرتفعة ستضع الحكومة في مأزق جديد وتضيف إلى أعبائها عبئاً جديداً يكرس العجز في الموازنة.
وقال رئيس هيئة البريد المصرية الدكتور علي مصيلحي إن الهدف من طرح هذه الأوعية الادخارية الدولارية هو تجميع المدخرات الدولارية الصغيرة وليس منافسة البنوك في فتح حسابات بكميات كبيرة، موضحاً أن فكرة دفتر التوفير الدولاري جرت مناقشتها في مجلس الوزراء وتم وضع الإطار العام للمشروع، وجاري الآن عن طريق بنك الاستثمار بحث استخدامات العملة الصعبة والنظر في تكلفة الخدمة المقدمة لوضع هامش ربح معقول للهيئة، وتابع أن الدفتر سيبدأ من عشرة دولارات وسيصدر مجاناً كما أن حركة السحب والإيداع لن تكون لها تكلفة كما سيأخذ الدفتر الدولاري نفس ضمانات نظيره العادي بالجنيه المصري المضمون من الحكومة.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس إدارة بنك الدلتا الدولي علي نجم إن طرح هذا الوعاء الادخاري الدولاري بفائدة 2.5% سيؤدي لنتائج عكسية تعمق حالة عدم الاستقرار في سوق صرف النقد الأجنبي وتحرص الأفراد على حيازة الدولار واكتنازه بدلاً من تحويله إلى الجنيه، كما أن هذا الوعاء سيضيف عبئاً جديداً على الحكومة لتدبير الزيادة الجديدة في سعر الفائدة على الدولار وارتفاع سعره أمام الجنيه المصري، وذكر أن الأفضل الآن هو زيادة سعر الفائدة على الجنيه لتشجيع حائزي الودائع الدولارية على تحويلها للعملة الوطنية، مؤكداً أن سعر الفائدة الحالي على الدولار مناسب جداً ولا يجب تخفيضه أو زيادته، وطالب بإحداث توازن في السوق عن طريق الانتربنك والسيطرة على التدفقات النقدية وتوفير احتياجات الاستيراد واستعادة الثقة في الجنيه المصري.
ويرى رئيس اتحاد البنوك المصرية الأسبق عبد السلام عمر أنه من غير المنطقي طرح أوعية ادخارية بالدولار وبفائدة تبلغ 2.5% بينما يعاني الدولار من تدهور في السوق العالمية أمام العملات الأوروبية مؤكداً أن هذا الوعاء سيضاعف من أعباء الحكومة ويكرر مشكلة السندات الدولارية التي طرحتها الحكومة بفائدة تتجاوز 7% في الوقت الذي تراجعت فيه الفائدة علي الدولار إلى أقل من 1% الأمر الذي يكلف الحكومة المصرية نحو 500 مليون دولار سنوياً.
وتابع أن السوق المصرية ليست في حاجة حاليا لهذا الإجراء خاصة أن الدولار يتراجع من تلقاء نفسه في السوق غير الرسمية، كما أنه حقق استقراراً واضحاً في البنوك على مدار الأشهر الأربعة الماضية.
وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل حشاد إلى أن أي محاولة لزيادة سعر الفائدة على الدولار في الوقت الحالي ستؤدي إلى مزيد من الضغوط على الدولار بالسوق، موضحاً أن الزيادة في سعر الفائدة يجب أن تأتي ضمن حزمة إجراءات وسياسات نقدية واضحة وبدء العمل بمقتضى نظام الإنتربنك بالنقد الأجنبي مع وجود شفافية كاملة في التعامل داخل سوق النقد، ويرى أن تحريك سعر الفائدة لا يجب أن يتم قبل حدوث استقرار حقيقي في سوق النقد وتوافر النقد الأجنبي وتزايد الثقة في الاقتصاد بصفة عامة.
وشكك حشاد في أن يؤدي هذا الإجراء إلى تجفيف منابع سوق الصرف غير الرسمية من الدولار، كما حذر من أن يؤدي إلى زيادة حرص أصحاب الودائع الدولارية على الدولار وعدم عرضه للبيع مما يؤدي إلى نقص المعروض من هذه العملة ويتسبب في إنعاش تعاملات السوق غير الرسمية مجدداً.